حوار – بندر الحربي
نقل لنا عملك الأخير (داخل المكتبة .. خارج العالم) نصوصًا مطولة مفعمة بالثراء لأدباء عالميين حول القراءة، كيف تصف تجربك في ترجمة هذه النصوص؟
تعرضت – في هذه التجربة – لجميع المشاعر الإنسانية، إذ بقدر ما كانت تجربة صنع كتاب من العدم جميلة ومثيرة فقد كانت مثقلة بالأسئلة والحذف والتعديل، لأني لم أقم بترجمة كتاب جاهز، بل قمت بتحرير نصوصه وترجمتها، فكانت مسؤولية اختيار النصوص موازية لمسؤولية ترجمتها إلى لغة الضاد. في البدء توجب اختيار موضوع مميز، فوجدت أن القراءة لم تنل حظها من المواد المترجمة بقدر الكتابة، ومن ثم انتقلت إلى مرحلة اختيار النصوص. كانت هناك نصوص ذات لغة عالية مثل نصَّي نابوكوف وفيرجينيا وولف، ونصوص مترجمة عن لغة وسيطة – مما سهل ترجمتها – كنصوص يوسا وهيرمان هيسه، وهذا ما جعل الترجمة تتفاوت بين الصعوبة والسهولة.
كيف يمكن أن تصف تلك العبارة الجميلة للروائي الروسي فلاديمير نابكوف التي تقول: القارئ النشط، القارئ العظيم والقارئ الخلاّق هو قارئ يعيد ما يقرأ؟
هي عبارة جميلة بحق ولها منظور مختلف، إذ أن قراءة العمل الأدبي بشكل أشمل يكون عن طريق المرة الثانية فيما يشبه تصغير عدسة المنظار لرؤية التفاصيل الكبرى التي تتجاهلها القراءة المتفحصة الأولى، أو ما يعرف بـ Zoom Out في مجال التصوير. ولكن لا أرى أن كل نص تنطبق عليه المقولة، إذ أن هناك ما هو مباشر كالكتب المعرفية Non-fiction أو من يرمي فكرة العمل الكبرى بشكل واضح، فلا يمكن تطبيق ما قاله نابوكوف كمسلمة، إذ أن الحياة ستنقضي ونحن لم نقرأ ما يكفي من الكتب لو طبقنا هذا المبدأ.
من واقع تجربتك بالترجمة، كيف تقييّم الكتب المترجمة إلى العربية، ومدى إقبال القراء عليها؟
هناك حقيقتان لا يمكن إغفالهما: الأولى هي أن هناك إقبالًا كبيرًا على الكتب المترجمة لدى القراء العرب، وثانيهما أن المستويات تتفاوت من ترجمة لأخرى؛ مما يجب أن يفهمه الناس هو أن المترجم يجب أن يظل خفيًا في النص، إذ لا يقوم بالإساءة إليه ولا بتجميله، ويغفل كثير من المترجمين عن الأمر الأخير – أي تجميل النص دون قصد –. لكن بالمجمل أرى أن أغلب الترجمات العربية جيدة، ولكن المترجمين عن اللغات المباشرة قليلون.
إذا كانت القراءة هي نقطة الانطلاق إلى عالم الكتابة، كيف تقييّم ثقافة القراءة لدى الكتاب والمترجمين في محيطنا العربي؟
هناك العديد من الكتاب والمترجمين الذين يقرؤون بمعدل عال، وهذا يتضح من أساليب كتابتهم وترجماتهم. قد تكون هناك مفارقة مثيرة، وهي أن نسبة معتبرة من المترجمين – وخصوصًا ممن لم يتخرج من كليات الترجمة واللغات – لا يقرؤون كتبًا في موضوع الترجمة ذاتها، والأولى بهم أن يقرؤوا في هذا المجال قبل الشروع فيه. ولا ننس أهمية الثقافة العامة بالنسبة للمترجم، إذ أتذكر أني قرأت في أحد الكتب المترجمة حديثًا مصطلح concentration camps الشهير وقد ترجم حرفيًّا إلى “مخيمات التركيز”، في عمل لم يكلف المترجم فيه استدعاء المنطق البسيط للتفكير في ترجمته.
ما الكتاب الذي تعكف على قراءته حاليًا؟
أقرأ حاليًا كتاب “الترجمة والإمبراطورية” لدوغلاس روبنسون، أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة ميسيسيبي بالولايات المتحدة الأمريكية. يتعاطى هذا الكتاب الشيق مع الترجمة بمنحى ثقافي بعيدًا عن كونها عملية لغوية، ويستعرض هيمنة الثقافات على بعضها في عملية تأويل المترجمين للنصوص إبان مرحلة ما بعد الكولونيالية والمعايير الآيديولوجية التي تم الاستناد إليها من قبل المترجم في ترجمته للنص الأصلي.