لم يكن اختيار المرشح الأول للمنحة صعبًا بالنسبة إلى اتحاد أبناء أوموفيا، فأوبي كان خيارًا واضحًا. عندما كان في الثانية عشر أو الثالثة عشر من عمره، فاقت نتائجه في الصف السادس جميع الطلاب على مستوى المحافظة. بعد ذلك، نال منحة للدراسة في واحدة من أرقى المدارس الثانوية في شرق نيجيريا. في نهاية سنواته الجامعية الخمس، تخرج أوبي من جامعة كامبريدج بامتياز في جميع المواد الثمانية. كان أوبي مشهورًا في قريته، وتردد صدى اسمه في المدرسة الإبتدائية التي درس فيها حينما كان طالبًا. ( لاأحد يتحدث الآن حول فعلة أوبي المشينة، والتي جلبت العار للمدرسة، بأنه أرسل رسالة لأدولف هتلر أثناء الحرب. أشار المدير إليه، وهو يكاد يبكي، بأنه عار على الإمبراطورية البريطانية. وقال بأنه لو كان رجلًا كبيرًا، لقضى بقية حياته البائسة في السجن. ولكن، بما أنه كان في الحادية عشر من عمره وقتها، فقد تلقى ست ضربات بالعصا على ردفيه كعقوبة.).
سبَّبَ ذهاب أوبي إلى إنجلترا ضجة كبيرة في أوموفيا. وقبل أيام من مغادرته إلى لاغوس، طلب والداه إقامة صلاة جماعية لأجله في البيت. ورأس ذلك الاجتماع رئيس كنيسة سانت مارتن الأنجيليكانية في أوموفيا، القس صاموئيل إيكيدي. قال القس بأن هذه المناسبة تحقيق لنبوءة واردة:
“الناس الجالسون في الظلام
رأوا نورًا عظيمًا
ومن ذهب إلى تلك المنطقة مواجهًا ظل الموت
أتى لهم بضوء الربيع”
تحدث القس لنصف ساعة، وبعدها طلب من أحد الجالسين أن يقودهم في الصلاة. قامت ماري قبل الجميع منتهزة تلك الفرصة، قبل أن يرمشوا بأعينهم حتى. كانت ماري من أكثر المسيحيين المخلصين في أوموفيا، وهي صديقة عزيزة لأم أوبي، حنة أوكونكو. على الرغم من سكنها بعيدًا عن الكنيسة – حوالي ثلاثة أميال أو أكثر – إلا أنها لم تفوت صلاة الصباح المبكرة، والتي عقدها القس في كوكراو. سواء في قلب موسم الرطوبة، أو في أيام رياح الهارماتان الباردة، ستجد ماري هناك ضمن أوائل من حضروا. كانت تأتي في بعض المرات قبل ساعة من موعد الصلاة؛ تطفئ شمعة الكيروسين لأجل التوفير، وتنام على أحد المقاعد الطينية الطويلة إلى أن يوقظها أحد ما.
“أوه، ياإله إبراهيم، وإله إسحاق، وإله يعقوب.”، كما بدأت، “أيها المبتدأ والمنتهى، بدونك لانستطيع عمل شيء. لايكفي حجم النهر لتغسل يديك فيه. أنت تملك اليام والسكين؛ لانستطيع الأكل دون أن تهبنا قطعتنا. نحن كالنمل في مرآك. نحن كالأطفال الذين يغسلون صدورهم أثناء الاستحمام وينسون ظهورهم جافة…”، أكملت ماري الدعاء وهي تستحضر التشبيه تلو التشبيه، والصورة تلو الصورة. ختامًا، أشارت إلى مايجتمعون من أجله، وطلبت العون من أجل أن تتم رحلة أوبي كما تستحق، متبعة ذلك بذكر تاريخ ابن صديقتها، الذي سيذهب إلى مكان يحوي نهاية العلم. حينما انتهت من الصلاة، تراجع الناس وبدأوا بفرك أعينهم لكي يعتادوا على ضوء المساء مرة أخرى.
جلس الحضور على مقاعد خشبية طويلة استعاروها من المدرسة. كانت طاولة صغيرة تقبع أمام الرئيس، وكان أوبي يجلس بجانبه، مرتديًا سترة المدرسة وقميصًا أبيض.
ظهر رجلان ضخمان من ناحية المطبخ، وهما يحملان قدرًا كبيرًا من الأرز، مما اضطرهما لثني ظهريهما. تبعهما قدر آخر. بعد ذلك، جلبت شابتان معهما وعاءًا يغلي من الحساء الساخن بداخله. بعدها، جُلبت العديد من براميل نبيذ النخل، وعدة أطباق وملاعق وسكاكين ادخرتها الكنيسة، لأجل أعضائها في الأحداث التي تصادفهم كالزواج، والمواليد، والعزاء، ومناسبات أخرى مثلها.
ألقى السيد إسحاق أوكونكو خطابًا قصيرًا بعنوان “هذا الكولا الصغير” قبل ضيوفه، مما كان لائقًا بحسب عادات أوموفيا. كان معلمًا للكاثوليكية في ذلك المجتمع لمدة تزيد عن خمس وعشرين سنة، وتقاعد بمرتب قدره خمس وعشرون جنيها في العام. كان أول من بنى بيتًا من الصفيح في أوموفيا. لم يكن من المتوقع أن يعد وليمة، فضلًا عن أن تكون بهذا الحجم. لم يتوقع أحد وليمة بهذا الحجم حتى من أوكونكو الجد نفسه، والذي اشتهر بكرمه الذي يغطي النظر. حينما احتجت زوجته ضد ماتعتبره تبذيرًا، رد عليها بأنه “يجب على من يعيش على ضفاف النيجر أن لايغسل يديه بالبصاق”، وكانت هذه مقولة مفضلة لأبيه. كان من الغريب أن أوكونكو يرفض كل مايتعلق بأبيه إلا تلك المقولة. ربما نسي منذ وقتٍ طويل أن أباه يقول تلك الجملة غالبًا.
في نهاية الوليمة، أدلى القس بخطاب طويل آخر. شكر القس أوكونكو على هذه الوليمة التي جمعت من الناس أكثر مما جمعت حفلات زواج في الآونة الأخيرة.
قدم السيد إيكيدي إلى أوموفيا من البلدة، وتحدث إلى الجمع حول عزوف الناس عن حضور حفلات الزواج منذ اختراع الشيء المسمى ببطاقات الدعوة. شك العديد ممن سمعه حول صحة مايقول، وأكدوا بأن الشخص منهم لايحضر إلا أعطي شخص منهم تلك الأوراق التي تحوي ذلك الاختصار “ر. ح. ك. ج.” – رز وحساء كثير جدًا – والذي دائمًا مايكون مبالغة لاأكثر.
بعد ذلك، التفت القس إلى الشاب الجالس عن يمينه. “فيما مضى،” كان يتوجه بالحديث إليه. “كانت تطلب أوموفيا من أمثالك أن تحارب لأجلها، وتأتي برؤوس أعدائها. ولكن، كانت تلك أيامًا مظلمة، أتتنا عن طريق دم خروف الرب. اليوم، نحن نرسلك لطلب العلم. تذكر بأن بداية الحكمة مخافة الرب. لقد سمعت بشباب من قرى أخرى، ذهبوا إلى بلد الرجل الأبيض. وبدلًا من أن ينتبهوا لدراستهم، تبعوا تلك اللحوم الجميلة. بعضهم – وياللفظاعة – تزوج امرأة بيضاء.”. بدأ الجمهور بالتجهم واستهجان ذلك الفعل الشنيع الذي سمعوا به. “من يفعل ذلك فهو خسارة على شعبه، كالمطر حينما يضيع في الغابة. وددت لو تتزوج قبل أن تغادر، لكن الوقت لم يعد يكفي. على أية حال، أعلم بأنه لاخوف عليك. نحن نرسلك لكي تتعلم الكتب، وبإمكان المتعة أن تنتظر. لاتتسرع لأجل المتعة مثل ذلك الظبي الصغير الذي رقص أعرجًا قبل موعد الرقصة الرئيسية.”.
شكر القس أوكونكو مرة أخرى، والحضور لتلبيتهم الدعوة. “لو لم تجيبوا دعوته، لكان أخونا مثل ذلك الملك في الكتاب المقدس، الذي دعى الناس لأجل حفل زفافه.” – إنجيل متى 22.
بعدما أنهى القس خطبته، قامت ماري بأداء أغنية تعلمتها مع نساء أخريات في اجتماعات صلاة أخرى.
” لاتدعني خلف يسوع، وانتظرني
حينما أذهب إلى المزرعة
لاتدعني خلف يسوع، وانتظرني
حينما أذهب إلى السوق
لاتدعني خلف يسوع، وانتظرني
حينما آكل طعامي
لاتدعني خلف يسوع، وانتظرني
حينما أستحم
لاتدعني خلف يسوع، وانتظرني
حينما يذهب إلى بلد الرجل الأبيض
لاتدعه خلف يسوع، وانتظره “
أنهى الحضور الاجتماع بأداء أغنية “مجدوا الرب، مَن تتدفق النعم مِن لدنه.”، وبعد ذلك قاموا بتوديع أوبي، وهم يسدونه العديد من النصائح التي قيلت له مسبقًا. حينما كان يصافحون أوبي، كانوا يودعون مبالغ صغيرة من المال كهدايا في كفه، لأجل أن يشتري قلم رصاص، أو دفتر تمارين، أو خبزًا لأجل الرحلة، شلن من هنا وبنس من هناك. – كانت تلك الشلنات والبنسات تعد هدايا كبيرة في عرف القرية، وذلك لندرة المال في ذلك الوقت. حيث كان الرجال والنساء وقتها يخرجون من سنة لأخرى لانتزاع لقمة العيش الشحيحة من تربة عقيمة ومستنفذة.