بين فترة وأخرى، تقوم جريدة “ذي غارديان” البريطانية المرموقة باستقطاب كتاب مشاهير حول العالم عبر دردشة مباشرة على الانترنت مع العديد من المعجبين في ما يخص كتبهم وحياتهم. وفي يونيو 2012، قامت باستضافة الكاتب الإسباني الشهير كارلوس رويز زافون، وقد صدرت له بالعربية حتى الآن روايتان هما “ظل الريح” و”لعبة الملاك” بترجمة الكبير معاوية عبد المجيد.
أترككم مع الحوار، مع ملاحظة أنني قمت بمحاكاة أسلوب الدردشة قدر ما يمكن دون الإخلال بترابط الجملة السليم باللغة العربية.
قراءة ممتعة!

كل كتبك عن قوة القصص. أين تكمن الجاذبية في تأليف كتب عن… الكتب؟
لا أظن جازمًا أنني أكتب عن الكتب، بل عن الناس والقصص واللغة والأفكار. صحيح أن الكتب في رباعية “مقبرة الكتب المنسية” مرتبطة بعالم القراء والكتاب وبائعي الكتب والناشرين وجميع الناس في فلك الأدب، لكنها تحاول الخوض في ثيمات الأدب الكلاسيكية، فهي تطمح لأن تكون عن الحياة. والكتب والأدب، أو الحكي، ليسوا سوى جزءٍ منها.
هل “مقبرة الكتب المنسية” مستلهمة من مبنى واقعي في برشلونة؟
كم تطلب الوقت منك كي تكتب “ظل الريح” منذ الفكرة الأولى وحتى “المخطوط” النهائي؟
علاقة الأب والابن في هذا الكتاب مميزة، هل لديك علاقة حميمية مع أبيك؟
ليس كذلك. فقد راودتني فكرة المقبرة أثناء عيشي في لوس أنجلوس. وقد كان إلهام كبير مستنبطًا من مكتبة كتب مستعملة في لونغ بيتش بولاية كاليفورنيا، وتدعى “أيكرز أوف بوكس – فدانات من الكتب”. لا أعتبر “مقبرة الكتب المنسية” بالنسبة لي استعارة للكتب فقط، بل للأفكار والجمال والمعرفة بالنسبة للناس ولعالم العقل وللذاكرة.. ولكل الأشياء التي تجعلنا بشرًا وتضفي المعنى؛ والكتب، بطريقة ما، رمز لكل ذلك في القصة.
يتطلب مني الأمر عادة سنتين لتأليف كتاب من هذا النوع، ولا يعد الـ”ظل” استثناء.
علاقتي بأبي ليست كعلاقة دانيال في الـ”ظل”. صحيح أن بعض آفاقها مشابهة، لكن أبي شخص مختلف تمامًا عن أبي دانيال، وأنا أميل لكاراكس من دانيال فعليًا. C’est la vie. (بالفرنسية: هذه هي الحياة. (المترجم))
ما هو الفرق بين كتابة روايات اليافعين والبالغين؟ أو، هل ثمّت فرق بينها أصلًا؟ وأيهما تفضل ولماذا؟
واضح أن في “مقبرة الكتب المنسية” رسالة رثاء في ما يخص الكتب. ما موقفك في نقاش الكتب ضد الكتب الإلكترونية؟
لماذا تكتب بالإسبانية عوضًا عن الإنجليزية؟ هل تمنحك تلك اللغة شيئًا لا تقدر الإنجليزية عليه؟ وإن كان ذلك صحيحًا، فما هو ذلك الأمر؟
لا أعتقد أن عملية الكتابة مختلفة جدًا بين كتب اليافعين والبالغين. فأنا أحاول الكتابة للناس الذي يحبون القراءة، ولا أقلق كثيرًا تجاه أعمارهم. فالعمر بالنسبة لقارئ خاصية نسبية للغاية. أحب كتابة الكتب للقراء الذين يحبون الأدب واللغة والحكي… ولا أطلب منهم بطاقة هوية كي أتفقد أعمارهم. وأود الاعتقاد بأنني، بطريقة ما، أكتب للقراء بجميع الأعمار.
ليس لدي نقاش أو أطروحة بشأن الكتب ضد الكتب الإلكترونية. فالكتب كتب، وليست المنصة التي توَزَّع من خلالها. أي سيمفونية لموزارت هي الموسيقى، ليست القرص المدمج أو الشريط أو ملف MP3 أو FLAC. بل الموسيقى. والأدب نفس الشيء تمامًا بالنسبة إلي. فهو مرتبط بالعمل الفني، باللغة، بالإبداع.
أكتب بالإسبانية لأنني إسباني. فقد ولدت في برشلونة، والإسبانية والكتالانية لغتيَّ الأم. أعتقد أن على كاتب السرد القصصي محاولة الكتابة باللغة التي تعلم القراءة والكتابة عبرها. لأن هناك أمرًا مهمًا للغابة بشأن تلك الرابطة ولن ترغب بالعبث به. كل اللغات تمنح شيئًا وتأخذ آخر. فاللغات الرومانية كالإسبانية والإيطالية والفرنسية والكاتالانية والبرتغالية تملك – فيما أظن – مدى هائلًا من الدهاء والتفاصيل، بينما توفر الإنجليزية – مثلًا – الترابط والدقة. وآمل فقط أن أصير طليقًا في كل لغاتي.
أذكر لنا بعض ما تستلهمه دومًا ككاتب؟
أستلهم الحياة وتجربتي الشخصية وذكرياتي وما أراه بداخلي ومن حولي.. كما أني ملهم بالأدب، وبالموسيقى والجمال بشكل عام. أنا مغرم بالجمال، والكافيين يقوم بعمل جيد.
ما هي مكتبتك المفضلة حول العالم؟
هل هناك إلهام من الحياة الواقعية لـ“مقبرة الكتب المنسية”، مثل مكتبة مهجورة أو غرفة قراءة صغيرة مجهولة؟
إن استطعت إنقاذ كتاب واحد، فماذا سيكون؟
أحب مكتبات عديدة، وأحدها تدعى “أتينيو برشلونة”، نادٍ أدبي بعمر قرن في منطقة القرية القديمة. لكن أعطني مكتبة وستجدني منحازًا لها.
إن استطعت انقاذ كتاب… مممممممم. أظن أن الإجابة الصائبة سياسيًا هي كتاب كلاسيكي أو كتاب رائع نحبة جمعًا. وبما أن هذا العالم كبير وشرير بلا قلب والرب يحب الأشرار، سأدع توأمي الشرير يختار، وسيختار إنقاذ كتابٍ لي، بقدر ما لا يستحق ذلك الكتاب كما يبدو. الكتاب مثل ذلك، مواطنون محزنون.
هل هناك نصيحة لمؤلف جديد؟
هل تستمع إلى الموسيقى حين تكتب؟
أهناك هواية يمكنك الاعتراف بها؟
اكتب واكتب واكتب، ثم أعد الكتابة حتى الموت. اعمل بجد. تعلم حرفتك. لا تستسلم. ثابر. لا تكن متكبرًا أو حسودًا أو كارهًا بغل. اعمل بجد لأجل أهدافك، واكتب من قلبك، لكن تأكد أن تلك الكتابة مرت بدماغك قبل أن تصل إلى أصابعك. هل ذكرت عدم الاستسلام؟
الموسيقى أكثر ما أقدره في العالم، لذا علي أن أكون حذرًا إذا ما كتبت أثناء الاستماع، لأن عقلي يتجول في موسيقى الجوقات وأي موسيقى ذات وتر خفيض. صحيح أنني أقوم بالاستماع إلى الموسيقى في بعض الأحيان، لكن بطريقة منضبطة بعمق.
هوايات يمكن الاعتراف بها؟ عزف الموسيقى وكتابتها، ومشاهدة سيرورة العالم، ومطاردة الجمال والمعرفة والتبطل المطلق.
ما هو الكتاب الذي ألهمك حين كنت شابًا؟
هل هناك كتاب بعينهم قد ألهموك كي تصير كاتبًا بنفسك؟
ما هو مشروعك القادم؟
لا أستطيع الإشارة الى كتاب ألهمني بعينه. أقول أنها كانت كل الكتب، وعالم القراءة، والأدب والحكي بشكل مجمل. والأمر ينطبق بذاته تجاه الكتاب، فهناك ما لا يحصى منهم.
أعمل الآن على الكتاب الرابع والنهائي في “مقبرة الكتب المنسية”. تمنّ لي الحظ!
هل لديك روتين للكتابة؟
كيف تعمل مع مترجمي رواياتك؟ هل هناك تصرفات تحريرية في الإصدارات المترجمة من كتبك؟
أعمل في مكتبي/استديوهي ساعات طوال، بمعدل خمسة أيام في الأسبوع، وستة أو سعبة في بعض الأحيان. أعيد الكتابة بقدر ما أكتبه وباستمرار. أتجول حول الغرفة، وأحدث نفسي. أتحرك من طاولة الكتاب إلى بيانو أملكه في المكتب. ألعن معوقاتي. أشرب الكافيين بكثرة. أفكر بمشوار مهني تجاه الرسم على الجدران… بعدها أعيد الكتابة مرارًا، فأعمل لمدة أشهر على النهاية حتى يقترب ما أملكه بأكثر قدر ممكن إلى ما حددت فعله.
أعمل مع بعض مترجمي بقرب، وفي بعض الأحيان أقوم بعدة تصرفات تجاه الترجمات عبر إعادة كتابة بعض الأجزاء والتأكد أن ما ستقرؤونه قريب بقدر المستطاع إلى النسخة الأصل. وفي أحيان أخرى أتركهم كي يذودوا عن أنفسهم ولتفترسهم الوحوش. هكذا أعمل.
كمؤلف أدب يافعين شاب ذي ملف مليء برسائل رفض المخطوطات، كنت أتساءل عن عدد ما تلقيتَ منها قبل أن تصل إلى كل من الوكيل المهم وصفقة النشر، وهل أحسست بالهزيمة؟
نشرت كتابي الأول قبل أكثر من عشرين عامًا، لكن صحيح أن أعمالي قد رُفضت كثيرًا، وكل الكتاب يتلقون ذلك. فلا تكن منهزمًا منهم، وواصل العمل. أكمل التعلم ولا تستسلم أبدًا، فالكتاب يكتبون مهما حدث. وصحيح أنك تشعر بالهزيمة، لكن ليس إذا كنت كاتبًا، لأن الكتاب يكتبون، أما النشر فمسألة مختلفة. ابق قويًا، وكن صريحًا تجاه نفسك واعمل بجد، وسيعثر عليك العالم فيما بعد.
كيف ترى انتقالك إلى لوس أنجلوس؟ هل يوفر ذلك منظورًا آخر تجاه كتابتك؟
انتقلت إلى لوس أنجلوس في عام 1994، وعشت هناك لحوالي عشر سنوات. أظن أن مغادرة الموطن والذهاب إلى بلد آخر تعلمك الكثير، وليس أقل ما تعلمك عن نفسك. أرى أن ذلك كان أمرًا جيدًا قمت به. والآن أمضي وقتًا مساويًا في لوس أنجلوس بقدره في برشلونة أو حول أوروبا. وأنا متأكد من أن لوس أنجلوس قد منحتني منظورًا مختلفًا تجاه كتابتي، وذلك يتطور رغمًا عن أي شيء مع الوقت بغض النظر عن المكان على ما أعتقد. لربما غيرني العيش بها كإنسان بشكل عام، مما يعني تغيري ككاتب حتمًا. لكني الآن أتساءل عن مصيري لو بقيت في برشلونة أو انتقلت إلى طوكيو أو باريس… إنها أكوان مختلفة.