
ذات مرة حين كنت في السابعة من عمري، وضعت خالتي يديها عليّ وحاولت طرد شياطيني. لم أكن واعيًا بأن فيّ شياطينَ، وقلت ذلك بتردد، بما أنها كانت امرأة حازمة. فقالت: من المؤكد أن فيك شياطين، وقد بدأت بالتجلي الآن. لم أفهم ما معنى التجلي، ولم أقل ذلك أيضًا. حركت يديها من رأسي إلى كتفيّ وصدري ثم عادت إلى رأسي مرة أخرى. أردت أن أسأل عن مكان عيش الشياطين وكم عددها وما شكلها، وعمّا إذا كانت تعرف إبليس شخصيًا، وهل كان مجرّد صالحٍ شطحَ ذات مرة أو غير ذلك، لكنها كانت منغمسة وعيناها مغلقتان، ولم تكن امرأة تُقاطع في أثناء عملها.
فتحت عينيها بعد مدة، وسألتها إذا ما رحلت الشياطين، فقالت: سنرى ذلك، سنرى ذلك. حتى في تلك اللحظة كنت أعلم أنه إذا قال أحدٌ ما جملةً مرتين، فهذا يعني أنه غير متأكد منها. وكنت أتعلم عدة مرات أن ما يعنيه الناس لا يطابق ما يقولونه إطلاقا. فكلمة ربما تعني لا، وسيعطينا الرب تعني أن الرب لم يعطِ بعد، وخذ راحتك تعني أسرع. كان من الصعب تعلم جميع كل اللغات التي يتحدث بها في منزلنا. إذ كانت هناك اللغة الأمريكية اللينة التي نتحدث بها جميعًا؛ وهناك لغة سكان الأنهار الآيرلندية المتلوّية التي يتحدثها كبار السن إذا ما غضبوا؛ وهناك لغة النساء الباردة مثلما ينطق جاك سبارو، التي كانت تتحدثها أمي وجدتي وخالتي وبقية نساء الحي؛ وهناك أيضًا لغة المزاح الخليعة التي يتحدث بها الآباء الآخرون مع أبي حين يأتون إلى حفلة شُرب. كما أن هناك اللهجات التي يتحدث شخص واحد بها فقط، مثل أختي التي كانت تتحدث بلغة فاترة متعجرفة مثل مواء قططها، أو أصغر إخوتي، تومي، الذي كان ينطق بكلمة “تومي” ولا يفهمها إلا هو وأختي. كانت تترجم ما يقوله غالبًا، وكان يتحدث على ما يبدو في أغلب الأحيان عن الجبنة وأقلام التلوين.
ظللت أتجول بقية اليوم تحت شعور بأني ممتلئ بالشياطين، بالإضافة إلى غثيان طفيف جراء ذلك. خمّنت بأنه لا بد من أنهم يعيشون في معدتي أو رئتيّ، لأنها الأماكن الوحيدة بداخلي التي يوجد بها الهواء. سألت أكبر إخوتي عما إذا كانت الشياطين تحتاج إلى الهواء مثل الناس، فقام بإشارة بيده تعني اذهب بعيدًا الآن. كانت إشارات اليد لغة أخرى في عائلتنا، وكانت أمي أفصح المتحدثين بها. فإذا قلبت يدها مرة واحدة فهي تعني اذهب واجلب سجائري، وإذا قلبتها إلى الجهة الأخرى فهي تعني أن ما قلته للتو سخيف إلى درجة أنني لن أهتم بتوضيح غبائك. وما زالت هناك إشارات أخرى تعني لا يهم، أو سيظل الحال هكذا لألف عام، أو خذ أصغر إخوتك معك ولا تحاول أن تدفعني للحديث معك بشكل سيء عن ذلك.
انتظرتُ حتى وقت النوم كي أسأل أمي عن شياطيني. كانتْ ستقوم بإشارة اليد التي تعني سنتحدث عن ذلك في وقت آخر لولا أنها رأت وجهي القلق، فتوقفت وجلستْ ثم تحدثتُ إليها عن خالتي ووضع اليدين. نطقت أمي بأصوات غير مفهومة في حنجرتها ثم تكلمت عن أختها كما لو كانت شجرة نفحصها من عدة زوايا. قالت إن أختها الحبيبة امرأة تقيّة بشكل رائع ولم تنوِ إلا خيرًا، ولها قلب أطيب من أي أحد أقابله، وأنها كانت أنبه إلى ظهور الشياطين أكثر من أي شخص عرفته أمي، وأن عليّ تقدير إيمانها العميق – فعلينا جميعًا أن نكون ملتزمين ومكرسين وشغوفين كما كانت – لكن الحقيقة هي أننا لم نكن ملتزمين بنفس قدر التزام خالتي بالمسؤوليات الأبعد، مثل وضع الأيدي لطرد الشياطين. سألت: هل لديك أدنى فكرة عمّا أقول لك؟ فقلت بتردد إنه ليست لدي فكرة، لأني لم أرد منها أن تتوقف عن التحديث بجمال وبأسلوب مسلٍّ هكذا، فوضعت يدها على جبهتي وأخبرتني بأنها تحبني وأن الآن موعد السرير، فمن الأفضل أن أقفز إليه، وهذا ما فعلتُه. وبينما تغادر، قامتْ بإشارة بيدها تعني إن لم تفرّش أسنانك وحاولت أن تتظاهر بأنك فعلت، سأعرف أنك تكذب ولن ينتهي الأمر على خير ثم ضحكتْ، فضحكتُ، وفرّشت أسناني.