
عقدت اتّفاقًا مع جاري منذ شهور، بحيث كلما اشتهى تدخين سيجارة على نافذة صالته الخارجية، يطرق جدارنا المشترك مرتين، فأعلم بهذه الطريقة أن عليّ إغلاق نافذة صالتي الواقعة على بعد أقل من عشرة أقدام. كانت اتفاقية ناجحة، حتى أني صرت أرحب بالطرقات، وما تمثله من رسائل مقتضبة، والدعوة نحو عالم يتخطى مكتبي، ناهيكم عن التذكير بالنهوض ومطّ القدمين.
أحيانًا يطرق والنافذة مغلقة، لكني مع ذلك أنهض وأذهب باتجاهها إلى أن أنتبه. يخطر ببالي أنه قد طرق في أوقات لستُ موجودًا فيها، كما أميل للتفكير بأنه يطرق أماكن أخرى، وأن خاطره ينشرح إذ يربت ببراجمه على جدارٍ بعد أن يفتح نافذةً في مطبخ صديقه. أما أنا فيا كم مشيت باتجاه النافذة مباشرة حين طرق أحد الضيوف بابي.
لا أتحدث مع جاري، لكن صوته يحيط بي، بل يطوّقني، بجانب شتى أنواع قرقعة الحياة العادية التي تنبئ عن حضوره: باب سيارة يغلق، خطوات قدمين في الرواق ما بيننا، وهزيم الرعد المنتقل من مكان لآخر إثر تحريك الأثاث للداخل أو الخارج.
بعد ذلك، ومنذ أسبوع تقريبًا، اختفت الطرقات. لا أعلم التوقيت بالضبط، ولا المدة التي جلست فيها مفترضًا أني بين طرقتين حتى أدركت أني في ذلك الوقت بعد آخر طرقة. إنه فقدان غريب ولا مناص منه. فمن الخارج حياتي لم تتغير، واليوم بنصف دزينة طرقات نفس اليوم من دونها، لكن ما عاد لصمتي شكل.
ما زال علي التقصي بشكل دقيق عن ذلك. هناك عدة تفسيرات محتملة، ويعتريني الخزي لكونها أثّرت فيّ بنفس القدر.