
قدما الطفل متسختان.
قالت الأم: “يا للقرف، انظر كم قدماك متسختان.”
مر ببال الأم زمن كانت فيه قدما الطفل الصغيرتان منغمستين بالحبر، وكيف كانت أولى خطوتين له في الحياة على ورقة نظيفة. ما زالت تحتفظ بتلك الورقة في مكان ما، بتلك القدمين الصغيرتين من حبر، على نية أن تضعها في إطار. والآن، تركض نفس تلك القدمين في كل أرضيات شقتهما التي لم تكنس بعد، بينما تلتقط ما لا يعلمه إلا الرب ما بين قطع مكسورة وطفيليات.
قالت الأم بصرامة: “اذهب للاستحمام، الآن.”
رد الطفل “ماذا لو كنت لا أرغب بذلك؟”، وعلى شفتيه المزمومتين أثر غريب لمصاصة حمراء.
أجابت الأم بينما تنظر شزرًا: “لكن انظر إلى قدميك”. وإذّاك نظرت إليهما مرة أخرى: كل ظفر ناعم يشكل نصف قمر، وعظما الكاحل بارزان مثل كرتين من القشدة. أين كانت تلك الورقة التي تحوي أثر قدميه صغيرًا؟ اشتهت رؤيتهما الآن.
“متى كان آخر استحمام لك؟”
“الجمعة.”
“لكن اليوم الخميس!”
يرى الطفل ذلك مضحكًا للغاية، حتى أن كتفيه وصدره اهتزا من شدة الضحك.
وفجأة يركض هاربًا منها، فتضحك الأم أيضًا رغم الصدمة. بدأت بمطاردة الطفل، فركضا بسرعة في الصالة، وآخر الممر، ثم إلى داخل الحمام.
قالت الأم: “سأقفل عليك بالداخل” وما من قفل، ثم أردفت: “لا تخرج حتى تصير نظيفًا.”
يركض الطفل ويرتمي بثقل جسده على الباب.
قالت الأم: “توقف”، لكنه يفعل ذلك مرة أخرى.
أعادت الأم بصوت أعلى: “هذا ليس مضحكًا.”
وإذ يضغط مقبض الباب على بطنها، تفكر في خفة تَينِك القدمين، وكيف ضغطتا سرتها ذات مرة من الداخل. يدفع الباب باتجاهها مرة أخرى.
تكرر الأم مقولتها: “هذا ليس مضحكًا.”
أطل برأسه من خلال فتحة في إطار الباب. أسنانه متكسرة ورأسه يبدو كبيرًا للغاية على عنقه.
تأمر الطفل قائلة: “توقف عن ذلك. اهدأ. هذا ليس مضحكًا.”
التقت عيناهما ومرت لحظة لم يعودا يعرفان فيها بعضهما. يتساءل الطفل بكل جدية وبراءة: “كيف لا يكون ذلك مضحكًا؟ لقد كنا نضحك قبل قليل، أليس كذلك؟”
لكن في تلك اللحظة، يُمحى السؤال من وجهه المكتنز، فيستمر بدفع الباب. ويواصل ذلك مرارًا باتجاه أمه، حتى يصير حرًا.
–
ريبيكا بيرغمان
كاتبة أمريكية، حازت على ماجستير الفنون الجميلة من الجامعة الجديدة في نيويورك. برزت قصصها في أكثر من مطبوعة أدبية على شبكة الإنترنت، مثل «جويلاند»، «هوبارت»، «باساجز نورث». كما حازت على منحة تينيسي وليامز التي تقدمها جمعية كتّاب سيواني بولاية تينيسي، وكانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة كاثي فيش المقدمة من موقع «سموك- لونغ» الشهير للقصص القصيرة جدًا.