
ترجمة: راضي النماصي
متى تكتب؟
في الصباح. تنقسم البشرية حسب صديقي الفيلسوف غالين ستراوسون إلى من يشعرون أنهم يعيشون في حكاية طويلة تتكشف بشكل مستمر، قصة حياة تعرض كل لحظة منّا، وإلى من يرون الوجود متقطّعًا. أنا الآن موقن بكوني أنتمي إلى المجموعة الأخيرة رغمًا عن كوني أقنعت نفسي باستمرار أنني من المجموعة الأولى. إذ جلست في مؤتمرات أدبية وقلت جُملًا من قبيل “نحن جميعًا حكّاؤو قصص بالنسبة لحيواتنا.” ومؤخرًا أدركت أني لا أؤمن بذلك، بل كنت أحاول أن أكون طيِّعًا في محاولة للانضمام [إلى المجموعة الأولى]. والآن بات بإمكاني أن أرتاح؛ فأنا ممن تُعاش حيواتهم في أجزاء منفصلة.
يمكننا بالطبع تذكر طفولتنا وغرامنا الأول وأخطائنا وما أفرحنا حين يُطلب منا، لكن تكاد حياتنا اليومية تكون منفصلة تمامًا عن أي وعي بالماضي. كما نقر بأن أغلب ذلك الماضي مفقود إلى الأبد. إذ نستيقظ نحن معشر ذوي حياة الحلقات، لا الحكاية الطويلة، في الصباح ونبدأ يومًا جديدًا. أنا ورقتي الفارغة. وبينما ينقضي اليوم، تتزاحم بداخلنا مخاوفنا المألوفة بين المحلية والمهنية والسياسية. والأمر المرتبط بمكتب الانتظار هو أن عليك النهوض وتصل قبل أن تتكرمش أيتها الورقة.
كيف تواجه حبسة الكاتب؟
أولى الخطوات إعادة تسميتها. سمّها “التردد” وستتبطل قدرتها القهرية وتتحول إلى جزء من العملية – بل جزء أساسي. فكل عمل إبداعي بحاجة إلى وقفة مثمرة في مراحل معينة. ومن النادر أن يكون هناك تواصل في الابتكار أسبوعًا بعد أسبوع. لذا: اهجر المكان واطبخ العشاء. أو ابق في المكتب، وخذ قلمًا (يُفضَّل أن يكون قلم حبر أسود)، ثم عد إلى الدفتر، أهم ما مع الشاشة، واكتب كلمة “يحتوي”. ثم دوّن بلا تفكير كل ما يجب أو يمكن أن يحتوي عليه الجزء أو الفصل التالي. بعدها اطبخ العشاء.
ما القطعة الثقافية غير الأدبية – فيلم، مسلسل تلفزيوني، لوحة، أغنية – التي لا تستطيع تخيل حياتك بدونها؟
منذ سن السادسة عشر وأنا أعيش باستمرار على موسيقى باخ، بالبيانو أولًا ثم تأتي بقية الآلات. وهي تجريدية مثلما الأدب محدد كما حال كل الموسيقى، لكن اختراعات باخ تزيد عن ذلك – مثل عمليات التفكير التي تسبق اللغة، الإنسانية بعمق دون أن تقول أي شيء على الإطلاق. أعتقد أني أواجه في موسيقاه أقصى تجلٍ للعبقرية البشرية، وتغليفها بالجمال ضرب من الجرأة والنبض المرح. فالأعمال التي أمتعتني في شبابي ما زالت تمتعني الآن، مثل تنويعات غولدبرغ أو كلافيير الرائق.
ما أفضل نصيحة تلقيتها في الكتابة؟
لمّا كنت أعيش في لندن خلال بداية مسيرتي الاحترافية في السبعينات، صادقت فيليب روث الذي أولى اهتمام العم بابن أخيه تجاه عملي. إذ حين ظن الكثير أن كتابتي غريبة وجامحة، كان يرى أن كتابتي ليست جامحة بما يكفي. إذ أتي مرة إلى شقتي ونثر مسودة عملي الأول “الحديقة الاسمنتية” على الأرض، ثم جلس يحرّك الفصول فيما بينها مستندًا على يديه وركبتيه. أراد مني أن أكون أكثر جرأة وجنونًا، إذ قال “عليك الكتابة كما لو أن والديك ميتين” وكانا حيين، فأخذت بتلك النصيحة.
.