
شروخ
حدثت العديد من القصص، وهذه إحداها. لديك زوجة، وأطفال، وعمل، وسيارة، وبيت في الضواحي. يبدو أنك ستموت سعيدًا، وسيبكي أبناؤك في جنازتك، وسيأسى الجيران على رحيلك. لكن في ليلةٍ ما، بينما تقود سيارتك بسرعة لا تزيد عن المعتاد عائدًا إلى البيت خلال آخر خيوط النهار الذاوية، هناك صوت ارتطام لكونك قد اصطدمت بشيء. لم ترَ أي شيء، كان هنالك صوت الارتطام فقط مقابل سيارتك. ثم تتوقف وتخرج لترى ما الذي حصل. هناك طفل تحت سيارتك، في السابعة أو الثامنة من العمر، ولديك طفل مثله بالضبط وينتظرك في البيت، وكان من المحتمل أن يكون هذا الطفل. إنه لا يتحرك، وهناك بقعة من الدم تنبع تحت رأسه.
تشرع بالبكاء، وتقعي، وتتفقد نبضه، ولا تحس بشيء. تنظر حولك وما من أحد هناك، فالشارع خال، وتقود عبره كل يوم دون معرفة أحد، وهناك مشروع سكني رمادي متعطل. لا أحد يراك، وكل الأضواء مطفأة.
ماذا سيحدث الآن؟ ما الذي ستفعله حين يحدث مثل ذلك لك؟ فكما تعلم، لو كان الصبي يئن قليلًا، سيكون الأمر برمته هينًا، إذ ستحمله في سيارتك وتهرع به إلى المستشفى أو تتصل بسيارة إسعاف؛ لكن فات الأوان كما ترى. وحين تهدأ قليلًا ستلاحظ أن أنوار الشارع لم تعمل حتى الآن، ولا ترى أي سيارة فيه. تلتفت وتنظر من حولك لتتفقد إن كان هناك شخص قادم أو يراقب مختبئًا خلف مكبات القمامة، لكن ما من أحد في المكان.
ترغب بالاتصال بأحد، لكن من؟ إلى جانب أن بطارية هاتفك فرغت فجأة، وبت تدرك بأن ما من أحد سيجيب حتى لو كان يعمل. تنظر إلى الطفل مرة أخرى. يبدو أنه كان يرقد هناك منذ ساعات، بما أن وجهه غدا بلا لون، فالدم في رأسه قد جف. تجيل النظر من حولك مجددًا، فتبدو المباني آخذة بالانهيار، وتظهر شروخ كبيرة في سماء الليل قد تتسرب منها الهاوية في أي لحظة. ما زالت مفاتيح السيارة في يدك، فتنظر إليها وإلى سيارتك، وتدرك بأنها لن تتحرك مرة أخرى. فترمي المفاتيح فتهوي إلى الظلام تحتك، حتى إنك لا تتفاجأ حين لا تسمع صوت ارتطام المعدن بالإسفلت. ما من صوت في أي مكان. لا كلاب تنبح أو أجهزة تلفاز مشوشة أو هواتف ترن. تقعي باتجاه الطفل مجددًا. إنه يتقلص أكثر فأكثر ويذوي أكثر فأكثر، تنظر إلى يديك وتنتظر الشروخ حتى تظهر عليها. فتفكر: كانت لدي زوجة وأطفال، وبدا أني سأموت سعيدًا. ستحدث الآن أمور مختلفة. لا تنتهي العديد من القصص نهاية سعيدة، وهذه القصة إحداها.
أندري بلاتنك
كاتب ومترجم سلوفيني معاصر، وأحد أرفع المؤلفين شأنًا في بلاده منذ جيل الثمانينات في فن الرواية والقصة القصيرة والمقال. من أعماله «قانون الرغبة»، «متاهة ورقية»، «شريعة الطاو للحب»، «قضمات».