قراءة «لوليتا» في حقبة #MeToo : مقابلة مع ماريو بارغاس يوسا

تمت مقابلة الروائي البيروفي الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 2010 لصالح «وورلد-بوست» عن طريق مايكل سكافيداس، الصحفي وأستاذ الأدب المقارن بجامعة المدينة في نيويورك. وقد صدرت آخر رواياته بعنوان «الحي»[1].

 

«وورلد-بوست»: تقوم في آخر رواياتك بعنوان «الحي» بإعادة خلق السنوات الفظيعة والفاسدة – والهيدونيّة[2] في نفس الوقت – بعد انتخاب ألبرتو فوجيموري في البيرو عام 1990. وفي حكايتك، يسود الجنس بوصفه فعل بقاء وردًا على الطغيان.

ماريو بارغاس يوسا: كان هذا الواقع في ذلك الوقت، لأن المجتمع البيروفي صار عرضة للإرهاب والظلم وديكتاتورية فوجيموري، إذ امتدت الوحشية إلى كل مراحل المجتمع. وكان هناك حظر تجول صارم أنتج هذا الانفجار غير العادي بما يخص حياة الجنس والجنسانية في المساحات الخاصة، حيث سكنُ الفرد. فقد كانت الطريقة الوحيدة التي يمكنك الهروب بها من تهديد العالم الحقيقي الفظيع.

خلال تلك السنوات، اختفت كل المبادئ والحدود الأخلاقية، وصار زمن انفجار حرية فظيعة، فأردت أن أصف هذه المفارقة في روايتي؛ كما وصفت كيفية استخدام الصحافة الصفراء من قبل الديكتاتوريين لتثبيط الخصوم.

«وورلد-بوست»: بما أنك حائز على [جائزة] نوبل، ما كانت ردة فعلك تجاه قرار الأكاديمية السويدية الاستثنائي بعدم منح جائزة نوبل لهذا العام بسبب فضيحة الاعتداء الجنسي المؤثرة على بعض أعضائها؟

ماريو بارغاس يوسا: لم أتوقع أبدًا أن تحدث مثل هذه الفضيحة في السويد! فقد وضعنا صورًا نمطية تجاه رؤية البلدان. لكننا نرى الآن أن السويديون بشرٌ أيضًا، ولذا فيمكن حدوث مثل هذه الأمور في السويد. كان [الحدث] صدمة بالنسبة للعديد من الناس، ومن المؤسف أنه ما من جائزة نوبل للأدب هذا العام؛ لكن ستكون هناك جائزتان العام القادم، وهذا تعويض.

«وورلد-بوست»: يبدو ذلك جزءًا جوهريًا من ثورة  ثقافية مستمرة اليوم مع حركة #MeToo. فهل تؤيدها؟

ماريو بارغاس يوسا: بالطبع أرى أن من الصحيح إدانة العنف ضد النساء، فهذه الاعتداءات في كل مكان. ولذا فإني أتعاطف بشكل كامل مع هذه الحركة طالما أنها منذورة لعدل أكثر وديمقراطية أكثر ومساواة أكثر في الفرص بين النساء والرجال.

لكن لدى النسوية الآن مشكلة ما، فقد صارت طائفية ودوغمائية للغاية، وأعتقد بأن على المرء انتقاد هذين الاتجاهين في الحركة ومعارضتهما. فعلى سبيل المثال، كان لدينا نقاش كبير مؤخرًا في إسبانيا حين هاجم مجموعة من النسويين [رواية] «لوليتا» لنابوكوف، التي أخالُها أحد أعظم روايات القرن العشرين؛ بدعوى أن الشخصية الرئيسية بيدوفيلية. بمثل هذا المعيار سيختفي الأدب، فهذه الرواية غروتسيكية، وإن كنتم تحترمون الأدب فليس عليكم قبول الأدب ذو الرؤية المثالية والإيثارية من البشر فقط، بل قبول الرؤية الرجيمة تجاههم.

قال جورج باتاي أن هناك ملائكة وشياطين في البشر. والملائكة مهمة في بعض الأحيان، لكن الشياطين في الأدب مهمون أيضًا؛ فالأدب شهادة عمّا نريد إخفاءه بالكلمة، وهذه الشهادة هي منطقه الأساسي، فلا يمكنكم مهاجمة الأدب بسبب خطايانا وتحيزاتنا وحماقاتنا. وأعتقد أن هذا [الطرح] مهم للغاية لأني مقتنع بأن صوت الحركة النسوية يجب أن يُسمع، لكني لا أتقبل فكرة الرقابة هذه تجاه الأدب أو تجاه الثقافة في المجمل.

«وورلد-بوست»: في مقال لك بعنوان «حضارة الفُرجة» عام 2015، كتبت بأسف عميق عن الإلهام الضئيل للأفكار في العالم اليوم. وقد وُصفت بـ”هيّاب التقدم” وصاحب فكرة «ملاحظات حول موت الثقافة» المرفوضة بشكل كبير من الجيل الشاب بسبب هذا المقال، فهل هم مخطؤون؟

ماريو بارغاس يوسا: نعم، لأنهم تربوا في بيئة فيها الصور أهم بكثير من الأفكار، ولذا فهم يقاومون أفضلية الأفكار. ولأول مرة نصير جميعًا جزءًا من ثقافة جديدة تكون فيها الصور سائدة، بلا فرق بين الشرق أو الغرب.

يميل الشباب اليوم إلى التفكير بأن الصور قادرة على تشكيل مواطنين مبدعين. لكنها لا تفعل ذلك، فالصور تشكل مواطنًا مستكنًّا وسهل الترويض أكثر من المواطن التي شكّلته الأفكار. وخلال حياتي، شهدت قوة الأفكار هذه والمعارك الحاسمة بين المثقفين العموميين حولها.

كما أن بعضهم صار متأثرًا بالشيوعية والماركسية. وعلى الرغم من أنهم سادوا لفترة من الزمن، إلا أن هؤلاء المثقفين [الشيوعيين والماركسيين] كانوا في الواقع ضد التقدم الحقيقي؛ وهذا موضوع كتاب في السيرة الذاتية أقوم بتأليفه حاليًا، حيث أصف فيه التطور السياسي من الماركسية في مراهقتي إلى الديمقراطية ثم الليبرالية، ففيه سبع مقالات حول سبعة مفكرين ليبراليين ممن كانوا مهمين جدًا لنشوئي [الفكري]، ومنهم آدم سميث وخوسيه أورتيغا إي غاسيت وإيزايا برلين؛ وقد كان هؤلاء حالات من المثقفين الذين قاموا نزعة اليسار المتطرفة التي انتهت بكارثة اجتماعية.

«وورلد-بوست»: كانت روايتك «زمان البطل»  المنشورة عام 1962 – بطريقة ما – بداية تطورك الأدبي العدائي، فقد وضع غضبك تجاه أبيك المتسلط والمؤسسة العسكرية البيروفية نبرة صوتك الأدبي. هل توافق على هذا الكلام؟

ماريو بارغاس يوسا: هذا صحيح. في ذلك الوقت، كنت متأثرًا جدًا بأفكار سارتر –أن الكلمات أفعال وأنك تكتب أشياء يمكن أن تخلق فرقًا في التاريخ أو تحل إشكالات. وكانت الكتابة سبيلًا للمشاركة لخلق مجتمع من نوع مختلف، أي أكثر حرية وعدالة وليبرالية، وكانت تلك الأفكار ملهمة جدًا لكاتب شاب ينتمي – مثلي – إلى بلد من العالم الثالث، حيث للأدب جمهور صغير.

وهكذا، شجعتني أفكار سارتر على أن أصير كاتبًا وجعلتني أفهم أن الكتابة ليست فقط لخلق المتعة، بل أداة تغيير. كان هناك الكثير من السذاجة في تلك الأفكار، لكن أعتقد أن المفكرين الوجوديين كانوا مشجعين جدًا في ذلك الوقت للكتاب الشباب، وتحديدًا في بلدان العالم الثالث.

«وورلد-بوست»: قالت الروائية الراحلة والحائزة على جائزة نوبل نادين غورديمر مرة بأن الروائي “مؤرخ ما لم يُسجَّل”. هل ترى الروائي بذات الطريقة؟

ماريو بارغاس يوسا: بالتأكيد، إنه تعريف جيد للغاية، فالأدب والتاريخ وجهان لعملة واحدة لأنهما قريبان جدًا. وفي عدة حالات، تسود النسخة الأدبية لجزء من التاريخ على حكاية المؤرخ. فمثلًا، نحن نؤمن بأن تولستوي محق تمامًا عند وصف حروب نابليون في الأدب. لعل المؤرخين أكثر دقة، لكن ذلك لا يهم، بل الطريقة التي يخصب بها الأدب الخيال.

ويعجبني الأدب الذي لا يزال قريبًا من التجارب الحية، فلا تروق لي فكرة الكاتب المعزول تمامًا والمحتجب داخل مكتبة. أستطيع قراءة [نصوص] هؤلاء الكتاب والاستمتاع بها مثل خورخي لويس بورخس، لكني لا أريد أن أصير من هذا النوع.

كل الكتاب ينهلون من سيرهم، ويكون ذلك أكثر صراحة ووضوحًا لدى بعض الكتّاب، وأكثر خفاءً لدى كتّاب آخرين. لكن لا أعتقد أننا نخترع شيئًا من العدم، فنقطة البدء الرئيسية هي دومًا ذاكرة التجارب الشخصية.

[1] العنوان الأصلي بالإسبانية «خمس زوايا»  – المترجم

[2] Hedonistic  أي المتأثرة بمذهب عبادة اللذات – المترجم.

رأي واحد حول “قراءة «لوليتا» في حقبة #MeToo : مقابلة مع ماريو بارغاس يوسا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s