لطالما آمنت أن الفنون والآداب تجارب تعلم بقدر ما هي تجارب متعة، وقد يخالفني الكثير بهذا الصدد. لكن الأيام شهود ولو كان أقل ذلك الأثر في رفع مستوى الوعي بقضيةٍ ما، نظرًا لنطاق متلقّي الفنون العريض مقارنة بمن يقرؤون الكتب والأطروحات ويناقشونها. ويمكن الاطلاع على كتاب «السينما التدميرية» (آموس فوغل، ترجمة أمين صالح، دار المعقدين، البصرة – 2017) مثلًا لكي ترى مثل ذلك الأثر.
المهم: كان من عادة فرانك أندروود، شخصية المسلسل الرئيسية (كيفن سبيسي)، أن يطلب ملخصًا من سكرتيره دوغ (مايكل كيلي) كلما قابل أحدًا، وذلك للإحاطة بالمعلومات المناسبة كي لا يغيب أي تفصيل عن ذهنه ويتخذ القرار الصحيح، وبلا شك فهذا مفيد لصورة المرء الخارجية ولو في سبيل العزاء للشخص الآخر بأن فرانك “يهتم بأمره”. حتى أنه بعض الأحيان يقوم بقراءة بعض الكتب المرجعية قبل مقابلات مهمة في مسيرته، مثل القرآن الكريم قبل مقابلة المواطن المسلم الذي قتلت عائلته أثناء غارة جوية (الموسم الثالث، الحلقة الرابعة)، فاستشهد من القرآن بآية 32 من سورة المائدة.
وعلى أن كل ذلك مصاغ بيد كاتب سيناريو، لا سيما إن كان كاتبًا نبيهًا مثل بيو ويليمون، صاحب أحد أذكى أفلام هوليوود السياسية برأيي «منتصف مارس»، إلا أن الدرس هنا مستفاد، وليس بالطبع أن تعين سكرتيرًا لحاجاتك 😊 .
في صباحٍ ما قبل أربعة أشهر، أتاني اتصال، فأجبته:
- الأخ راضي؟
- صحيح. من معي؟
- معك ___ من شركة ___. أريد التواصل معك بشأن منصب ___ الذي تقدمت له.
- أعذرني يا أخ __. أحتاج لإقفال الخط، فلدي اجتماع. هل يمكن الاتصال بك لاحقًا؟
- لا مشكلة. سأتصل بعد نصف ساعة.
- ممتاز!
حزروا ماذا حدث: لم يكن لدي اجتماع أصلًا! كنت قد تقدمت يائسًا إلى هذه الشركة بمنصب عالٍ على أمل أن يروا سيرتي، وذلك أضعف الإيمان.
نهبت نصف الساعة بحثًا في مشاريع الشركة ومنتجاتها ومشاريعها المستقبلية وحالتها السوقية، وتوصلت إلى بناء صورة ما عن حالتها الراهنة. وما إن أتاني الاتصال الثاني حتى أجبت:
- يا أهلًا. الأخ _؟
- نعم. هل الوقت مناسب الآن؟
- طبعًا. أشكرك على معاودة الاتصال. كيف حالكم؟ وكيف جرى مشروعكم الآن في __؟ هل بدأتموه؟
- أها. يبدو أنك تعرف ما أنت مقبل عليه.
- طبعًا. هل يتقدم أحد ما إلى شركتكم دون معرفة ما فيها؟ الانتساب إليكم مطمع، خاصة وأن سهمكم هذا الأسبوع مرتفع في البورصة!
وجرت المكالمة على خير ما يرام، رغم أن سيرتي الذاتية لا تمتلك ما يطلبونه من مهارات وخبرات لذلك المنصب.
صحيح أني صدمت لاحقًا لكونهم عرضوا علي منصبًا آخر بعد المقابلة المباشرة براتب أقل فرفضته، لكني سعيد بهذه المهارة ورؤيتي فائدتها على أرض الواقع؛ ولا أظن أني سأتمكن من النجاة وتخطي مقابلة الهاتف لولا هذه الحركة التي تعلمتها من “مسلسل”.
انتبهوا لما حولكم، فما تشاهدونه خلال 45 دقيقة بداعي الترفيه قد يقلب حياتكم كاملة!
ملاحظة: لم أشاهد الموسم الأخير من المسلسل، فغياب سبيسي وقتها كافٍ لإلغاء المشاهدة.
أتفق معك، تابعت how to get away with murder وتعلمت منه الكثير الذي أستخدمه في مواقف حياتي اليومية.. الدبلوماسية في الحديث تكسبك الكثير. شكرا لك أ. راضي على مشاركتك لنا لتجربتك.
لازلت في إنتظار ترجماتك القصصية دائما..
شكرًا لك. أرجو أن أعود قريبًا.
إنتظار عودة*