صباح الخير،
كتبت سلسلة تغريدات على موقع تويتر حول أسباب ظهور المقال، ورأيت ألّا أضعه هنا كي لا أثقل على من يرغب بالاطلاع عليه. لمعرفة ما تسبب بهذا المقال (وترجمته طبعًا)، اضغط(ي) هنا
“كل عملي متعلقٌ بالكتب. فأنا أشرحها وأكتبها وأحررها وأتحدث عنها. كل ذلك شيء واحد.” – توني موريسُن.
أنتم من تسبب بما يلي.
أنا أقرأ كثيرًا، تقريبًا حوالي ** كتاب كل شهر؛ وقد أضاف ذلك ما يقارب *** كتابًا مع حصيلة العام الماضي. قرأت *** كتابًا منذ سبتمبر 2015، بما فيها «تاريخ موجز للزمان»[1]، «دانييل ديروندا»[2]، «أقارب»[3]، «يقظة فينيغان»[4]، «لماذا لم أعد أتحدث مع ذوي البشرة البيضاء حول مسألة العرق»[5]، «قرب محطة القطار الكبرى جلست وبكيت»[6]، «بائع الحليب»[7]، «البحث عن الزمن المفقود»”[8]، بالإضافة إلى جميع كتب أنيتا بروكنر[9] الـ**، والتي فضلت منها رقم * ورقم * ورقم *. كما أنهيت جميع الكتب [التي قرأتها] دون أن أفوت أي مقطع، وهذا ما يعد أمرًا مذهلًا حين تفكرون بـرواية «قرب محطة القطار الكبرى جلست وبكيت»، وقد أحببت من تلك الكتب مقدار **% بالمئة وكرهت فقط القليل منها.. لربما ** كتابًا على الأكثر.
والآن دعوني أشرح سبب طمس تلك الأرقام.
كانت أول مرة وعيت فيها أن الناس لا يحبون من يقرأ كثيرًا خلال مهرجان أدبي، إذ كنت أشارك بجزء من أمسية حول الكتب والقراءة. وحين سألني أحد الحضور عن مقدار الكتب التي أقرؤها كل شهر، أجبت، كما هو أعلاه، حوالي **. فرد علي أنه بانتهاء السنة لا بد من أن المجموع ينتهي بركام كبير، فرددتُ بكلمة “حسنًا” وأردفت بأن علي القراء لأجل العمل والبحث و«باك-لستد Backlisted»[10] ونقد الكتب وحتى للمتعة لأنني، كما تعلمون، أحب القراءة، لكنك محق بكونها ستخلف ركامًا كبيرًا؛ ثم أردفت مستطردًا بأن مجموع الكتب المقروءة خلال العام الماضي كان حوالي *** كتابًا، فرد الجمهور بصرخات استهجان.
يبدو الآن أن دفع جمهور إلى الصراخ باستهجان خلال مهرجان أدبي يعد انجازًا خرائيًا. ومن جهة ما، لم أقل الحقيقة بكاملها، ففي تلك السنة التي سُئلت عنها، لم أقرأ “حوالي” *** كتاب، بل كانت *** كتابًا بالضبط. ولماذا واربت بكلامي؟ لعلي أحسست في تلك اللحظة أن الجمهور ينقلب ضدي وكان من الضروري الحط من ذاتي بسرعة؛ لكن حتى كلمة “حوالي” لم تكن كافية. كان علي أن “لا أعرف بالضبط كم كتابًا أقرأ! إنها كثيرة! أنا لا أخرج للنزهة كثيرًا ها ها! ها ها ها!”، فيبتعد الجمهور المتحفّز ويحيل انتباهه ولعابه السيّال إلى ليونيل شرايفر أو أحدهم فينطلقون بتباطء في بحث عمّا تستقي إلهامها منه.
من عادتي وضع صورة في تويتر لما كنت أقرؤه نهاية كل شهر. أزيح جرة الفواكه وأكوام الورق الذي أعمل عليه من طاولة المطبخ، وأضع كومة الكتب – غالبًا ما تكون كومة – وألتقط لها صورة، ثم أضيف سطرًا في الغالب عما فضّلت منها وأضغط “تغريد”. كنت أفعل ذلك لما يقارب * سنوات، وأعتقد أني نويت فعل ذلك بصفته منشورًا أو تحديثًا ثابتًا لمن تابعني بسبب قراءتهم «سنة القراءة الخطرة» وباتوا مهتمين أكثر بحيائي قارئًا ومؤلفًا وعليهم أيضًا تحمل تغريدات أكثر عن حلقات قديمة من برنامج “أفضل نجوم البوب” بقدر يزيد عما يرتاحون له. كان المقصود من ذلك بعض المرح.
على أي حال، مهما كان ما نويته، فقد صار هذا التحديث المعتاد شيئًا آخر، أو عدة أشياء أخرى بنفس الوقت، حيث أكثرها خارجة عن أمري. فبعض الناس لا يستطيعون الإمعان في طبيعة الكتب بدلًا عن منظر المجموعة، إذ يسألون “كيف تقرأ بتلك السرعة؟” مع درجات مختلفة من اللباقة. لذا حين قام مذيع سكاي-نيوز آدم بولتُن بإعادة تغريد صورة حصيلة شهر أبريل كاتبًا “أحسنت. هل لديك عائلة أو وظيفة؟”، كان يجهل أنه يتحدث عن صورة حصيلة شهرية، برغم أن مثل ذلك عادة ينشر على نطاق ضيق ولا يقود إلى أخبار قناة دولية. (مع ملاحظة أن آدم بولتُن يقرأ الأدب الإنجليزي في جامعة أكسفُرد ولا يتابعني على تويتر).
أنا أحب القراءة حقًا، وما يدفعني نحو الجنون بشأن شبكات التواصل الاجتماعي – وفي الحقيقة، الحياة – هو افتراض سوء النية في غير محلها. فالدوافع المنسوبة إليَّ لنشر صورة مجرد كومة كتب بشكل ثابت – ومن الصعب تبسيطها بأكثر من ذلك – على طاولة مطبخ تتضمن: الكذب، مجرد وضعها، التباهي، البحث عن الشهرة، تنشيط الغرور، ادعاء ترويجها دون علاقة واضحة بالكاتب أو الناشر، الوصاية الثقافية، محاولة دفع الآخرين إلى الشعور بالذنب حيال كمية و/أو نوعية الكتب التي يقرؤونها، بالإضافة طبعًا إلى تذكير الرجال الذين يعملون بجد ويحبون عوائلهم بالمتع التي ضحوا بها واستبدلوها بالعمل الجاد وحب عوائلهم اللعينة، وأحدها قراءة الكتب. أما حين يدرون بأن لدي عائلة ووظيفة أيضًا، يصير الأمر أسوأ.
ولهذا طمست الأرقام من المقال، بسبب أنها تعترض ما أريد قوله.
ما يحدث ليس سيئًا بالكامل. فغالبًا ما يريد الناس الحديث عن الكتب، مثل: هل استمعتُ بـ«البحث عن الزمن المفقود» مثلما استمتعوا؟ أو أن «قرب محطة القطار المركزية جلست وبكيت» روايتهم المفضلة مثلما صارت مفضلتي، أو أنهم لم يستطيعوا إكمال «بائع الحليب» وهكذا.. بالإضافة إلى آخرين لطفاء للغاية ممن يخبروني أنهم يستقون الإلهام من تلك المذكرات الشهرية البصرية، آثار دودة الكتب تلك، وما يفعلونه عظيم وأفضل من الوصم بالمتباهي أو الكذّاب الباحث عن الشهرة الذي لا يحب عائلته. في أحيان قليلة يمتدح أحدهم غطاء الطاولة، لكن حين ننظر إلى جوهر الصورة، نجدها ما زالت صورة كومة كتب.
وكون أن فعلًا مسالمًا للغاية قادر على اجتراح كمٍّ من الردود القوية أمر مثير للاهتمام. كيف يمكن لكمية من الكتب أن تمثل مساحة للنقد لدى أحدهم وللاحتفاء لدى آخرين. فبالنسبة لي، بما أني الفاعل، ليست هذه ولا تلك. حاولت خلال العقد الماضي أن أكون ظريفًا حول القراءة وما تحتله في حياتي اليومية بإحباطاتها ومكافآتها. وتلك التحديثات الشهرية تحمل نفس روح كتاب «سنة القراءة الخطرة» أو بودكاست «باك لستد». إذ يمكن اعتبارها تشجيعًا للآخرين من منظور ما، كما كتب و. ن. ب. باربليون في يومياته (المنشورة بعنوان «يوميات رجل خائب الظن») خلال يونيو 1916:
“أرمي هذه الصفحات في وجوه أناس محترمين خجولين قائلًا “هاكم! ها أنا! قد تحبون المكتوب وقد تكرهونه، لكنه صحيح؛ وأتحداكم أن تتّبعوني وتضيؤوا مصابيح وعيكم بذواتكم باتجاه أقصى زوايا حياتكم وتنادون الجميع كي يتحروا بشأنها. كونوا لمّاحين وصادقين، وفككوا حواجز ذواتكم، واخرجوا من شرنقاتكم أيتها الديدان الصغيرة”. طالما أننا دودٌ فعلينا على الأقل أن نكون ديدانَ صادقة.
أثرت فيّ القراءة التي خضتها أثناء *****ـياتي، الموصوفة بأكملها في مكان ما، أكثر من أي فترة قراءة منذ الطفولة. فلم يكن عدد الكتب أو تأثير عناوين بعينها ما الذي غيّر حياتي، بل تأثير عملية القراءة بالمجمل. كانت لدي وظيفة وعائلة خلال ذلك الوقت، وما زالتا موجودتين. وإن كنت أستطيع القيام بذلك فالجميع يستطيع، والسر هو مواصلة القراءة. أما تلك الصور، وكمية الكتب التي تحويها، فمخرجات ترافق تلك العملية المستمرة.
وما إن تُدفَعَ قراءات أحدهم إلى العلن، تصير ضربًا من الأداء العلني بشكل تلقائي، وهذا ما لا يناسب ذوق الجميع. فنحن نقرأ كتابًا، ونخبر الآخرين، فيقررون ما سيقرؤون؛ وما يغير معنى هذا التبادل هو السياق. فهناك فرق جوهري بين نصح صديق بكتاب خلال محادثة وبين نشر توصية ملونة على الانترنت. لكن لماذا نبقي على ذلك الحماس مخزنًا؟ لماذا نحتويه؟
ما الذي نراه حين ننظر إلى صورة كومة كتب؟ أنا الآن فوق الـ** [من العمر] وما أراه هو نفاد الوقت. كما تذكرت الروائية شيرلي هازَرد[11] عن صديقها ومحرر نصوصها وليم ماكسوِل[12] “قال إنه لم يخشَ الموت، بل تفويت قراءة الروايات.” لنفترض أننا نعيش في هذه الحياة مرة واحدة، وأن تناسخ أرواحنا القادم – إن كان حقيقة – ليس مضمونًا أن يكون شيئًا قادرًا على القراءة، كأن أكون طائرًا طنانًا أو مذيعًا في التلفاز – لا سمح الله –. لربما أن لديّ ** سنة طيبة باقية، وقد بدأ بصري بالتردّي. لن يكون هناك وقت لقراءة كل ما أريد. والفرق بين قراءة كتاب روبرت بُرتُن[13] «تشريح الميلانخوليا» – مثلًا – أو «مانسفيلد بارك» لجين أوستن أو «خيط» لشيرلي كونرَن[14] أو “«أناشيد ميرسيا» لجيوفري هِل[15] أو «الموسيقي معشوق المراهقات» لريتشَرد آلِن[16] أو «* يذهبون باستخدام كارافان» لإنيد بلايتُن[17] أو عدم قراءة ذلك هو قدر ما تخلقه من الوقت؛ وإلا فموتوا وأنتم تحاولون ذلك أيها السفلة!
على أي حال، بما أني دودة صادقة، فهذه كيفية قراءتي بهذه الكثرة. فقط ما سيلي. والأرقام قد أُخفيت لأنني أحبكم حقًا.
أستيقظ في الخامسة صباحًا غالبًا، وهذا الوقت يمنحني ساعة قبل أن يستيقظ أفراد عائلتي للعمل والمدرة. وإن لزم الأمر أعد لهم أكواب شاي وأغلف وجبات غدائهم. وقبل بداية عملي – الذي قد يتضمن أو لا يتضمن قراءة كتاب – غالبًا آخذ الكلب للتمشية مدة ساعة برفقة كتاب صوتي. إن كان عليّ الذهاب إلى لندن (حوالي ساعة وربع تقريبًا)، أقرأ في القطار بدلًا عن مشاهدة دي-في-دي أو تصفح [جريدة] الميترو أو النظر إلى هاتفي… إلخ. إذن فهذه ثلاث ساعات من القراءة على الأقل ولم يحن وقت الغداء بعد. أحب مشاهدة أشرطة الدي-في-دي، وتصفح الميترو، والنظر إلى هاتفي أيضًا، ولا أجلس في القطار مهنئًا نفسي على عدم فعل أي من ذلك، بل أختار قراءة كتابٍ بديلًا عنها في الغالب؛ ويمكنكم قراءة الكثير في ثلاث ساعات.
في وقت المساء أعمل: ومرة أخرى، قد يتضمن العمل أو لا يتضمن قراءة كتاب، لذا لا أحفل بما ستفعلون. إن قمت بإعداد الشاي أو غسل الأطباق أو تعليق الملابس للتجفيف.. إلخ، فقد أفعل أيًا من ذلك ريثما أستمع إلى كتاب صوتي. وفي الليل أو عطل الأسبوع، أشاهد نتفليكس أو أستمع للموسيقى أو أقابل الأصدقاء أو أزور أمي، وفي بعض الأحيان أذهب إلى السرير مبكرًا وأقرأ كتابًا لأن بإمكاني ذلك.
ومهما حدث فإني أقرأ 50 صفحة في اليوم، وقد صارت هذه العادة ثابتة الآن لدرجة أنها صارت أوتوماتيكية فعليًا. وقد قمت بذلك هذا الصباح قبل الجلوس لكتابة هذا المقال. وقد أقرأ المزيد لاحقًا. وهكذا.
في مقال حول قراءتها سلسلة كتب المومين لتوفه يانسُن[18] أثناء الطفولة، تهاجم آلي سمِث[19] فكرة القراءة بصفتها مهربًا أو بديلًا عن الحياة، أو أنها شيء يخرجك عن ذاتك. إذ تقول إننا حين نقرأ كتابًا نقع في محبة كوننا مندمجين معه، بل أننا عكس الهروب تمامًا نجوب أغوار أنفسنا؛ وستبقى تجربة قراءة ذلك الكتاب في الذاكرة على أنها جزء ساحر مشوق من حيواتنا، وليست بديلًا عنها. إنها طريقة للعيش.
ولذلك، هكذا صرت أقرأ بكثرة.
[1] كتاب في تبسيط العلوم للعالم البريطاني ستيفن هوكنغ (1942-2018)
[2] رواية للكاتبة البريطانية جورج إليوت (1819-1880)
[3] رواية للكاتبة الأمريكية أوكتافيا إ. بتلر (1947-2006)
[4] رواية للكاتب الإيرلندي جيمس جويس (1882-1941)
[5] كتاب للصحفية البريطانية ريني إدو-لودج (1989-الآن)
[6] رواية للكاتبة الكندية إليزابث سمارت (1913-1986)
[7] رواية للكاتبة الإيرلندية آنا برنز (1962-الآن)، حازت على جائزة مان بوكر لعام 2018
[8] رواية للكاتب الفرنسي مارسيل بروست (1871-1922)
[9] رواية وباحثة بريطانية في تاريخ الفنون (1928-2016)
[10] بودكاست للكاتب حول الكتب الكلاسيكية، يديره بصحبة كاتب آخر هو جون ميتشينسون
[11] كاتبة أمريكية أسترالية (1931-2016)
[12] روائي وقاص ومحرر أمريكي في مجلة «ذي نيويوركر» (1908-2000)
[13] كاتب إنجليزي (1577-1640)
[14] كاتبة بريطانية (1932-الآن)
[15] شاعر بريطاني (1932-2016)
[16] روائي بريطاني، لم أستطع الحصول على معلومات بشأنه
[17] كاتبة بريطانية (1897-1968)
[18] روائية فنلندية (1918-2006)
[19] روائية بريطانية (1962-الآن)
موضوع رائع للغاية