بعد أن قدم المترجم الشاب راضي النماصي تجربته الأولى في الترجمة في كتاب “داخل المكتبة خارج العالم” والذي احتوى على تسعة مقالات محورها الرئيسي هو “القراءة” كرافد أساسي للكتابة الإبداعية، كتب هذه المقالات تسعة كتاب من كبار أدباء العالم، مثل “فيرجينيا وولف” و”هنري ميللر” و”فلاديمير نابوكوف” و”ماريو بارغاس يوسا” وغيرهم.
“النماصي” كشف ل”الرياض” في هذه الحوار عدداً من الأمور، كالأسباب التي دعته لترجمة هذه المقالات، وما يحتاجه المترجمون في الوطن العربي، وغير ذلك، وفيما يلي نص الحوار:
ترجمة السرد
* يعرف عنك شغفك الكبير بقراءة الرواية لكنك في إصدارك الأول على صعيد الترجمة لم تترجم رواية، لماذا؟
– بالفعل، شغفي كان -وما يزال- الرواية، لكني لم أبدأ بها تهيبًا، إذ أني لم أجرب ترجمة نص سردي مكتمل في مقابل خبرة لا بأس بها بترجمة المقالات والخطب، لكن خلال الفترة الماضية عكفت على قراءة بعض المراجع حول فن الترجمة الأدبية، بالإضافة لبعض التجارب في ترجمة السرد، ولعل الرواية المترجمة الأولى تكون قريبة.
اختيارات المحتوى
* ترجمت عدداً من المقالات التي محورها الأساسي هو “القراءة” ما الذي شدك في هذا الموضوع؟ ولماذا هذه المقالات بالذات؟
– شدتني عدة أمور، منها ما ذكرتُه سابقًا في مقدمة الكتاب –قصة “ماريو بارغاس يوسا” ورواية “مدام بوفاري”– باعتبار أنّ المبدع له نظرته الخاصة للقراءة، ومنها حاجة الوسط الثقافي العربي لكتاب مثله، في خضم طوفان الكتب التي تتحدث عن الكتابة باعتبار أن القراءة هي الرافد الأساسي لها، كانت الاختيارات مبنية على ثلاثة معايير: شهرة الكاتب، عمق المحتوى، وكونه مترجماً للمرة الأولى؛ مما شكل تحدياً صعباً لي؛ كون عدة أسماء كبيرة حول العالم كتبت عن القراءة وهي –في الوقت نفسه– مجهولة بالنسبة للقارئ العربي، حتى أني فكرت عدة مرات بإلغاء نص كلمة “رديارد كيبلنغ” بحكم قلة رواجه لدى العرب، على الرغم من سمعته العالمية كمؤلف كبير، وكون إحدى الشخصيات التي ابتكرها معروفة لدينا باسم “ماوكلي”، بطل الفيلم الكارتوني الشهير، لكن غلب حب نشر الفائدة على الشهرة، وقمت بنشره.
زيادة الإقبال
* برأيك، ما الذي زاد إقبال القراء على الكتب المترجمة؟
– هذا سؤال غائم، إذ أنه لا يحدد نوعية معينة من القراء لكي نعرف أسبابهم الخاصة للتوجه نحو الأدب المترجم، لأننا نعرف من يذهب إلى المعارض ويقرأ الكتب المحلية أو من يكتفي بالكتب الشرعية ولا يقرأ الأدب أصلًا، سأفترض أن سؤالك موجه لي وللأصدقاء من حولي، وأجيب بأنها الرغبة في رؤية أساليب كتابة جديدة ونظرات مختلفة للحياة من حولنا والتعاطي معها، كما أن هناك سببًا آخر وهو التفات الناشرين في الآونة الأخيرة –واتحدث عن آخر أربع سنوات– للأدب المترجم أكثر من غيره مقارنة بالأعوام السابقة.
مظلة المترجمين
* تشهد حركة الترجمة نشاطاً ملحوظاً وبجهود فردية، ما الذي يحتاجه المترجمون لتوحيد جهودهم؟
– الساحة مبهجة جدًا في وجود كل هؤلاء المترجمين الشباب، سواء من نشر منهم أو اكتفى بالانترنت كمنصة، ونرجو أن تكبر أكثر، كل ما أرجوه من المترجمين الشباب هو الاهتمام بالشق المعرفي أثناء الترجمة، ولو على حساب الشق اللغوي، وذلك منعًا لأخطاء لا تغتفر، أما ما يحتاجه المترجمون الشباب فهو مظلة تضمهم وتقوم بدعمهم، ولعل تجربة “المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب” بدولة الكويت أو “مشروع كلمة للترجمة” بدولة الإمارات العربية المتحدة أمثلة رائعة على مثل هذه المظلات، بشرط أن تنجو من البيروقراطية في مؤسساتنا الثقافية.
الانحياز للنصوص
* هل المترجم مسؤول عن اختياراته؟ فنقول أنّ كل ما يترجمه يمثله؟ هل تراعي هذا الجانب في اختياراتك؟
– نعم، هو مسؤول ما لم يكن مكلفًا بالترجمة، ففي النهاية اختيار المرء قطعة من عقله، أما فيما يتعلق بتمثيل النصوص لوجهة نظر المترجم فالأمر بين هذا وذلك، إذ أني لا أجد نفسي منحازًا تجاه جميع النصوص التي ترجمتها خلال عامين، وهناك ما ترجمته في كتابي ولا أتفق معه مثل نص “جوزيف برودسكي”، لكنه نص مثير للاهتمام، وأنا أحب قصائد “برودسكي” للغاية بالإضافة لكونه شاعرًا مرموقًا وحائزًا على نوبل للآداب، فقمت بترجمته، وهناك ما أتفق معه بشكل مطلق مثل نص “ماريو بارغاس يوسا”، ولعل القارئ الكريم يرى أن وجهات النظر في “داخل المكتبة.. خارج العالم” لم تكن على رأي واحد يمكن أن يخلص له القارئ.