بحسب مقال في صحيفة الغارديان، كتب أورويل روايته الأشهر بين عامي 1943 و 1944. تعددت تفسيرات الرواية بدءًا من العنوان وحتى مضمون العنوان واختيار الناشر، ونالت الرواية شهرة تستحقها على مستوى العالم. كشفت إحدى رسائله، والتي كُشفت العام الماضي في كتاب “أورويل: حياة في رسائل” عن تأمل لأوضاع العالم أسس للرواية لاحقًا، وذلك يظهر من بعض العبارات في الرسالة، والتي أُنهيت بنجمة لشعبيتها بالنسبة لمن قرأ الرواية، حيث وردت فيها.
قراءة ممتعة.
إلى نويل ويلميت
18 مايو 1944
عزيزي السيد ويلميت،
أشكرك كثيرًا على رسالتك. كنت تسألني عما إذا كانت الشمولية وعبادة القائد تتصاعد في الآونة الأخيرة، خصوصًا في هذا البلد وفي الولايات المتحدة.
يجب أن أقول بأني أعتقد، بل أني أخشى أننا إذا وضعنا العالم في منظور واحد، فإن تلك الأمور آخذة بالإزدياد. سيختفي هتلر قريبًا بلا شك، ولكن ذلك سيكون لأجل ظهور واحد من هؤلاء: إما ستالين، أو أصحاب الملايين الأنجلو-أمريكان، أو أي طاغية تافه بحجم ديغول. يبدو أن كل الحركات القومية، بما فيها التي نشأت لمحاربة الاحتلال الألماني، تتخذ شكلًا غير ديمقراطي في منظومتها، ويتوحد أعضائها سويًا تحت لواء فوهرر خارق (هتلر، ستالين، سالازار، فرانكو، غاندي وديغول مجرد أمثلة متنوعة) بدعوى أن الغاية تبرر الوسيلة. كل حركات العالم تجنح الآن إلى إقامة تكتلات إقتصادية، تستطيع العمل ماليًا ولكنها لا تتمتع بتنظيم ديمقراطي، وتتجه إلى إقامة نظام صلب. وبذلك، سينشأ رعب العاطفة الوطنية، وسيجنح الناس إلى تكذيب الحقيقة الموضوعية، لأن على كل الحقائق وبدءًا من تلك اللحظة أن تطابق كلام طاغيةٍ معصومٍ وتنبؤاته. بدأ التاريخ سلفًا بالتلاشي، وذلك لأنه لم تعد هناك أي حقيقة تاريخية يتفق عليها العالم أجمع؛ وحتى العلوم الدقيقة أصبحت في خطر الفناء بقدر الوقت الذي يحتاجه جيشٌ ما ليبقي جنوده بحالةٍ جيدة. يستطيع هتلر أن يقول بأن اليهود من بدأ الحرب، وإذا ما نجا فسيصبح ذلك تاريخًا رسميًا يُعتَرف به. لن يستطيع مثلًا أن يقول مجموع اثنان واثنان يساوي خمسة، وذلك لأنه، بحكم تعداد القذائف، ستوجد أربعة في النهاية. ولكن، في عالمٍ أخشى تكوُّنه، حيث توجد دولتان أو ثلاث دول كبرى لا تستطيع إحداها احتلال الأخرى، فسيكون مجموع اثنان واثنان يساوي خمسة إذا أراد الطاغية ذلك*. في الواقع، هذا هو الإتجاه الذي نسير إليه جميعًا – حسب ما أرى – رغم أن المسار الذي ننحاه يُظهِر العكس تمامًا.
وفيما يتعلق بالحصانة النسبية التي تتمتع بها بريطانيا والولايات المتحدة، فمهما تكلم الباسيفيكيون وغيرهم، نحن لم نصل إلى مرحلة الشمولية بعد، وذلك مؤشر مطمئن وعارض جيد. أؤمن بعمق، كما ذكرت في كتابي “الأسد والحريش”، بالشعب الإنجليزي وقدرته على مركزة اقتصاده دون تدمير الحرية بفعل ذلك. ولكن يجب علينا أن نتذكر بأنهما لم يوضعا على المحك، فهما لم يُهزَما حتى الآن ولم يدخلا في معاناة ما، وهناك أعراض سيئة تعادل المؤشرات الجيدة. أولها هو اللامبالاة الكبيرة تجاه ضعف الديمقراطية الذي يحدث هذه الأيام. هل تدرك أنه لا يملك الآن أي شخص تحت السادسة والعشرين من عمره أي أحقية للتصويت في إنجلترا، وأننا نرى ذلك العدد الكبير من الناس الذين ينتمون لتلك الفئة لا يبالون بذلك؟ ثانيًا، هناك مثقفون كثر يعتبرون شموليين أكثر من عامة الشعب. عارض المثقفون الإنجليز بالعموم هتلر، ولكن كان ذلك بثمن أن يقبلوا بستالين. كلهم جاهزون لتقبل الطرق الدكتاتورية، والشرطة السرية، والتزييف المنهجي للتاريخ* طالما أن ذلك “في صالحهم”. في الواقع، فإن المقولة التي تؤكد بعدم وجود حركة فاشية في إنجلترا تعني أنه وفي نفس الوقت يوجد العديد من الشباب ممن يبحثون عن “فوهررهم” الخاص في مكانٍ آخر. لا يستطيع أحدنا أن يتأكد بأن ذلك لن يتغير، أو أن يفكر عامة الشعب بعد عشر سنوات كما يفكر مثقفوه الآن. آمل* بأن الشعب لن يتغير، وإذا تغير فسيكون ذلك على حساب معاناة كبرى. إذا أعلن أي شخص أن خير الجميع بيد أفضلهم، ولم يعتقد أحد ما بأن ذلك نذير شؤم، فإن ذلك الشخص قد ساعد على قرب الشمولية.
كنت تسألني أيضًا عن سبب دعمي للحرب إذا كان العالم يتجه نحو الفاشية. الحرب خيار الأشرار، وأعتقد بأن كل حرب هي كذلك. أعلم بأن الإمبريالية البريطانية لن يعجبها كلامي، ولكني سأدعمها ضد النازيين أو الإمبريالية اليابانية بوصفها أهون الشرين. وبنفس الدافع سأدعم الاتحاد السوفييتي ضد ألمانيا، لأني أعتقد بأن الروس لن يستطيعوا تجاهل ماضيهم وترك أفكار ثورتهم الأساسية ليكونوا شيئًا أهون من النازية. أعتقد، وكنت أظن ذلك منذ بدأت الحرب سنة 1936 أو ما حولها، بأن قضيتنا هي الأفضل، ولكن يجب علينا أن نعمل على تحسينها، مما يقتضي نقدًا مستمرًا.
المخلص،
جو. أورويل